باستطاعة البشر تحديد الأماكن من خلال تردّد الصدى تماماً كالخفافيش والحيتان، وتعلُّم ذلك ليس بالأمر الصعب
اعتدنا رؤية الخفافيش والحيتان وهي تقوم بتحديد الأماكن عن طريق الصدى لإيجاد/لشقِّ طريقها. الآن وبعد مدة اكتشفنا أنه مع الممارسة باستطاعة الإنسان أيضاً تصوُّر ما يُحيط به عن طريق إصدارِ أصوات الطقطقة.
قدّمت دراسةٌ جديدةٌ أوّل وصفٍ مفصّلٍ لقدرة البشر في الاعتماد على الصدى لتحديد الأماكن، حيث شمَلَت الميّزاتَ السمعيَّة والحيّزَ المكانيَّ لتردّد أصوات طقطقة الفم. واستخدم الباحثون النتائج لتطوير وسيلة طقطقةٍ اصطناعيّةٍ في الفم بالإمكان استخدامها لكَسب معلوماتٍ أكثر عن هذه المهارة الفريدة.
وفي تصريحٍ لLore Thaler لور تيلير إحدى الباحثين من جامعة دورهام حيث تحدثت لموقع ScienceAlert “بإدراكنا لآلّيات العمل السمعيّة سيساعد ذلك في فهم وتحديد المعلومة التي يستخدمها الدماغُ البشري لتحديد الأماكن من خلال الصدى” وأضافت “سيتيح لنا ذلك فهمَ الآليّات الإدراكيّة بالمقابل”
يُعتبر تحديدُ الأماكن من خلال الصدى سِمَةً فِطريّةً عند الخفافيش والدلافين وبعض فصائل الحيتان التي تستخدمها أثناء التنقّل والبحث عن الطعام في الظلام. عندما تقوم هذه الحيوانات بالنداء تنتظر ريثما تسمعُ تردّدَ صوتها إثر اصطدامه بالأشياء من حولها لتفحَصَ محيطَها.
بالرغم من أن إدراك أو رؤية العالم عبر الصوت لا يُعدُّ مهارةً فِطريّةً عند البشر، أظهرت الدراساتُ أن الأشخاص الذين يعانون من الرؤية الضعيفة باستطاعتهم تطوير نفس الحواس لدى الوَطواط مع الممارسة.
الضَرير الأكثر شُهرةً المعروف ب Daniel Kish دانيال كيش قد فقد بصرَه عندما كان يبلغُ سنةً واحدةً ويدُعى أيضاً ب ‘الرجل الوَطواط في عالم البشر الحقيقي’. أحدث كيش ضجّةً كبيرةً في عالم الإنترنت، فباستطاعته تسلُّق الجبال، قيادة الدرّاجات الهوائيّة، والتكيُّف لوحده في البراري باستخدامه لمهارات طقطقة الفم (وذلك بملامسة اللِّسان للسطح العُلوي للحلق وتحريره) من أجل تصوُّرِ ما يحيط به بدقّةٍ تُحيِّر العقل.
ويبدو أنك لست بحاجةٍ لأن يكون بصرُك ضعيفاً حتى تتمكن من تطوير هذا النوع من الرؤية نحو العالم الخارجي، ففي فبراير/شباط قدّمنا تقريراً حول دراسةٍ تُظهر أن الأشخاص ذوي حواسَّ بصريةٍ سليمةٍ باستطاعتهم تعلّم كيفيّة تحديد الأماكن لكشف مساحة غُرفٍ افتراضيّة.
بالرغم من معرفتنا لقدرة الإنسان على استخدام هذه التقنية عبر عقود، مازلنا غير مُلمِّين بما فيه الكفاية بالأنماط الصوتيّة لطقطقة الفم أو بما يجري داخل الدماغ عندما نُصدرها.
ومراعاةً لذلك توضّح تيلير وفريقها في تصويرهم لوصفٍ دقيقٍ لطقطقة الفم عند الإنسان بالاستعانة بمساعدة ثلاثة أشخاص مكفوفين من الخبيرين في استخدام الصدى لتحديد الأماكن حيث يلجأون لذات التقنية في حياتهم اليومية.
تم عزلُ كلٍّ منهم في غرفةٍ فارغةٍ ثمّ طُلب منهم إصدار أصوات طقطقةٍ كما يفعلون عادةً. في تلك الأثناء سجّل الباحثون أصوات الطقطقة و قاموا بتحليل ما يميِّزُ كلاً منها كتوزّعها في أنحاء المكان ومدى تردّد الموجات المنبعثة.
عند ملاحظتهم لطول فترة الطقطقة وجد الفريق أنها كانت وجيزةً أي خلال 3 مِيلِّي ثانية فقط — والذي يُعتبر أسرع بكثير ممّا قدّمته تقارير الدراسات السابقة. وفي غضون هذه الفترة البسيطة رافق صوتَ الطقطقة دويٌّ مفاجئٌ قبل أن يتلاشى ويهبط بسلاسةٍ نزولاً بانحدار.
وبشكلٍ مدهشٍ أثبت نمط المخطّط الإشعاعيّ لأصوات الطقطقة دقّتها في التوجيه أكثر من الكلام فضلاً عن إمكانيّة تأديتها بسهولة من قِبَل بقيّة الأفراد.
وأدلت تيلير لـScienceAlert “إحدى طرق التفكير في نمط المخطّط الإشعاعيّ لأصوات الطقطقة وفهمه هي باعتباره مُماثلاً لضوءٍ منبثقٍ من مصباحٍ يدوي” واسترسلت “وعلى هذا النحو فإن نمط المخطّط الإشعاعيّ هو ‘تجسيدٌ لضوء مصباحٍ كاشفٍ على هيئة صوت’ يدركه مستخدمو تلك التقنية.
ولمعرفة المزيد عن كيفيّة عمل تقنية تحديد الأماكن يتوجّب على الباحثين إختبار عيناتٍ أخرى بمساحاتٍ أكبر. وتكمن المشكلة في أن من برِعوا باستخدام هذه التقنية ليسوا أشخاصاً عاديين بالطبع وليس من السهل تتبّعهم.
لعلاج هذه المشكلة استخدم أعضاء الفريق نتائجهم المفصّلة لتطوير نموذجٍ حسابيٍ بالإمكان توظيفه في تقليد طقطقة الفم عند البشر، و هكذا يستطيع الباحثون التقصّي في علم السَمعيّات والصدى دون الحاجة لحضور من يُتقن استخدام التقنية.
تقول تيلير “استخدامنا لأساليب المحاكاة الافتراضيّة سيسمح لنا باستكشاف علم السَمعيّات المرتبط بقدرة تحديد الأماكن من خلال الصدى لدى الإنسان، فإن فهمَ آليات العمل السَمعيّة المتعلقة بالبشر قد يكون فعّالاً في إلهام التكنولوجيا”
تمّ نشر البحث في صحيفة PLOS للبيولوجيا الحسابّية.
إرسال تعليق