عالم الجسيمات الأولية للمادة الذي نتشكل منه نحن وكل الكـون!

عالم الجسيمات الأولية للمادة الذي نتشكل منه نحن وكل الكـون!


عندما نسمع أو نقرأ كلمة “الكون “يخطر على أذهاننا المجرات والكواكب والنجوم والسدّم والثقوب السوداء، لكن بعد قراءتك هذا المقال قد يخطر على ذهنك كـون ثانٍ صغيرٌ لا يقل جمالًا عن كوننا الكبير، هو كون الجسيمات الأولية للمادة الذي تتشكل منه أنت وجميع الاشياء من حولك!
الجميل في الجسيمات الأولية، أنها تمتلك عالمًا خاصًّا بها، ينقسم إلى مجموعاتٍ وعوائل مثلنا نحن البشر، دَعونا نتعرف على هذا العالم ومجموعاته وعوائله التي نتشكل منها نحن وكـل الكـون.
عندما تريد بناء بيت، فأنت سوف تحتاج في البداية إلى مواد أولية كالنقود والإسمنت والتراب والطابوق والخريطة والأدوات لكي تبني بيتك، كذلك نفس الشيء يحدث عندما تريد خَـلق أو صُنع كـون، فأنت ستحتاج بالبداية لجسيماتٍ كحجر أساس للمادة في الكون، هذهِ الجسيمات هي “الجسيمات الأولية”.

إذن ما هي الجسيمات الأولية حقًّا؟

هي الجسيمات الأساسية الاولية لبناء المادة في الكون وتكون ذات أحجام أصغر من الذرة، ترتبط الجسيمات الأولية مع بعضها لتُشكل المادة في الكون (مثل ارتباطها لتكوين البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة) ولا تتألف من أي جسيمات أصغر منها، لذلك تعتبر الهياكل الأساسية لبناء المادة ولا تتكون من أي بنية داخلية مكونة لها كما لا يمكن تجزئتها، وأشهرها هو جسيم ” الإلكترون ” فإنه لا يتألف من أي جسيم أو بُنية أصغر منه، لذلك يُصنف كجسيم أولي.
دعونا نأخذ موجزًا بسيطًا تمثيليًا عن الموضوع قبل الدخول في التفاصيل، لنمثل ونتخيل الجسيمات الأولية كمجموعة أصدقاء هدفهم تَشّكيل الكون متألفة من 31 شخصًا (باعتبار أن عدد الجسيمات الأولية 31 جسيم) ويعيشون معًا ويتشابهون في صفات عديدة ويرتبطون ليكونوا المادة في الكون، لكنهم مختلفون في صفات وأشياء محددة، مثل: أوزانهم، فمنهم السمين ومنهم النحيف، كما أن خواصهم الداخلية مختلفة لذلك يتم تقسيمهم إلى مجموعات وعوائل، فينفصلون إلى عائلتين رئيسيتين وفق ضوابط علمية معينة سنتعرف عليها لاحقا.

العائلة الأولى هي عائلة الأشخاص الماديين (عائلة الجسيمات المادية):

تسمى “الفيرمونات” وينتمي لها 12 شخص من المادة العادية وهي العائلة التي تُشكل جميع الجسيمات المادية في الكون، لكن هناك مشاكل وفروقات بين أفراد هذه العائلة تتسبب في انقسامهم إلى مجموعتين فيذهب ستة أفراد (جسيمات) إلى فريق يسمى ” الكواركات ” ويذهب الستة أفراد الآخرون إلى فريق يسمى ” الليبتونات “، ويوجد شخصٌ معاكسٌ نقيض لكل فرد منهم من المادة المضادة، ولذلك يصبح عددهم الكلي “24 “، سنتعرف بالتفاصيل أكثر عن هذا لاحقًا 

أما العائلة الثانية عائلة البوزونات:

هي عائلة الأشخاص الذين يحملون القوى الأساسية بالطبيعة الذين يكونون مسؤولين عنها ويحافظون على العائلة الأولى من خلال حملهم القوى التي تنظم الكون و ينتشرون على شكل حقول أو مجالات في كل الكون، وهم مسؤولون عن تأثر القوى فيما بينها، فتحافظ على أفراد عائلة الجسيمات المادية وتنظمها وتربطها ببعضها، وإن أفراد عائلة الجسيمات المادية (الفيرمونات) مدينون كثيرًا لفضل عائلة الجسيمات الحاملة للقوى (البوزونات)، وتحوي عائلة (البوزونات) على 7 أشخاص أفراد لا تقل أهمية أحدهم عن الثاني، سنتعرف أيضًا عليهم لاحقًا.

كان هذا ملخصًا مبسطًا تمثيليًّا عن الموضوع قبل الدخول في الموضوع الأساسي.

– الجسيمات الأولية هي الجسيمات التي تشكل المادة في الكون ولا تتكون من أي شـيء أصغر منها، تنتشر هذه الجسيمات في كل الكون سواء في حالة مترابطة مثل ترابطها داخل البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة، أو بصورة حرة مفردة مثل الإلكترون. عمل العلماء على وضع الجسيمات الأولية في نموذج علمي يسمى ” النموذج المعياري ” وهو نموذج يحتوي على 16 جسيم أولي مقسم إلى عائلتين بحسب أحدى الخواص الجوهرية التي تمتلكها الجسيمات الأولية وهي ” اللف المغزلي ” ” Spin ” (دوران الجسيم حول نفسه) حيث إن الجسيمات الأولية التي تملك دورانًا مغزليًّا نصف صحيح (يساوي 1/2) توضع في عائلة تسمى (الفرميونات) وهي عائلة الجسيمات المادية التي تُشكل الكون وتقسم إلى نوعان هم (الكواركات، والليبتونات).
تمتلك الليبتونات والكواركات لفًّا مغزليًّا قياسه 1/2 تقريباً، فيصنفان تحت لائحة عائلة الفيرمونات، أما العائلة الثانية تتألف من جسيمات تملك دورانًا مغزليًّا صحيحًا يساوي 0 أو 1 فتدعى (البـوزونات) وهي عائلة الجسيمات الحاملة للقوى الأساسية في الطبيعة المسؤولة عن تآثر القوى فيما بينها، فتعطي للجسيمات القدرة على التفاعل فيما بينها، تعتبر عائلة الفيرمونات وعائلة البوزونات العائلتين الرئيسيتين في فيزياء الجسيمات، حيث تتكون منها كل المادة في الكون، أو يمكننا القول أنهما الكون بحد ذاتهما.

قسم عائلة جسيمات المادة (الفيرمونات):

يطلق عليها (Fermons) وهي عائلة من الجسيمات الأولية تتمتع بدوران مغزلي نصف صحيح (1/2) وتخضع لقوانين إحصاء فيرمي -ديراك. تُشكّل الفيرمونات الجسيمات المادية عن طريق ارتباطها ببعضها مثل إرتباط جسيماتها لتكوين البروتونات والنيوترونات، أو تنتشر بصورةٍ حرة في الكون مثل الإلكترون. قسم العلماء الفيرمونات إلى مجموعتين.

أولًا: مجموعة الكواركات(Quarks):

كان الإعتقاد السائد حول الهادرونات (الهادرونات هي جسيمات تنقسم إلى قسمين، قسم جسيمات “الميزونات” والقسم الثاني هو قسم “الباريونات” الذي يشمل النيوترونات والبروتونات) على إنها جسيمات أولية لا تتكون من أي شـيء، وليس لها أي بُنية حتى تبين لنا خطأ هذا الاعتقاد بعد اكتشاف جسيمات صغيرة نقطية تسمى “الكواركات”، وهي جسيمات أولية تنتمي الى عائلة الجسيمات المادية (الفيرمونات)، لا تتألف من أي جسيمات مكونة لها أو أي شيء مادي أصغر منها، فهي البنية الأساسية للمادة ويتكون البروتون والنيوترون في نواة الذرة منهما، حيث ترتبط هذه الكواركات معًا بواسطة القوة النووية الشديدة التي تربط الكواركات ببعضها، ويوجد ستة أشكال للكواركات في الطبيعة تسمى “نكهات” وهي:
1- سفلي (down) 2- علوي (UP)
3- غريب (Strange) 4- ساحر (Charm)
5- قمي (top) 6- قعري (bottom)
نرمز لها في أول حروف من أسمائها فتصبح:u ،d، s، c، t ولكل كوارك نظير مضاد من المادة المضادة وهي المادة التي تكون معاكسة للمادة العادية، يُسمى ” ضديد الكوارك ” ويكون معاكسًا لِشحنة ودوران الكوارك من المادة العادية.
نشوء الكواركات: أن الكواركات هي من أوائل الجسيمات التي تكونت بعد الانفجار العظيم، حيث نشأت في الفترة التي برد فيها الكون إلى درجة 10 كواريليون بعد 6-10 ثانية من الانفجار العظيم، فبدأت حقبة الكواركات وبدأ إنتشارها في الكون ولم يكن الكون باردًا بما فيه الكفاية لكي يستطيع ربط الكواركات ببعضها لتشكيل البروتونات والنيوترونات في ذاك الوقت حتى أستقر مما جعله يربط بينها.
إلى الآن، لم يتم رصد أي كوارك بصورة حرة مفردة، إنما دومًا ما يكون الكوارك مرتبطًا بكواركات أخرى، ويُعتقد حسب بياناتنا الحالية أن الكوارك لا يتألف من جسيمات أصغر منه ولذلك يتم اعتباره “جسيم أولي”.
لكن إذا أطلقنا العنان لمخيلتنا الواسعة، سنتوقع أن نكتشف بعد عشرات السنين جسيمات جديدة تتألف منها الكواركات، ونحذف تسمية ” جسيمات أولية “من مجموعة الكواركات! مثلما كنا قبل عشرات السنين نعتبر البروتونات والنيوترونات كجسيمات أولية، لكن تبين لنا أنها في الحقيقة تتكون من جسيمات أخرى، ودرسنا هذه الجسيمات وتعرفت عليها أنت في هذا المقال. ترتبط هذه الكواركات معاً بوساطة القوة النووية الشديدة لتُكون جسيمات تدعى” الهادرونات “(Hadron)وهي التسمية التي تطلق على نوعين من الجسيمات هما:
النوع الأول: مجموعة الميزونات: (mesons) وهي جسيمات دون ذرية (ذات حجم أصغر من الذرة) متوسطة الكتلة تتشكل من كواركين، الأول هو كوارك علوي(u) والثاني هو كوارك سفلي مضاد (d).
تعتبر الميزونات من الجسيمات غير المستقرة ذات عمر قصير تنشأً وتختفي في فترة زمنية قصيرة تنتشر بصورة حرة بالكون.
النوع الثاني: مجموعة الباريونات: وهي جسيمات دون ذرية ذات كتلة ثقيلة تتكون من ثلاثة كواركات مترابطة، وأشهر الجسيمات التي تنتمي إليها هي جسيمات البروتونات والنيوترونات التي تُشكل نواة الذرة، يحتوي كل بروتون في الذرة على ثلاثة كواركات، علوي علوي وسفلي (u u d)، أما النيوترون فإنه يتألف من ثلاثة كواركات، سفلي سفلي وعلوي (u d d).
من المهم معرفة أن الميزونات والباريونات لا تعتبر من الجسيمات الأولية، لأنها تتشكل من جسيمات أصغر منها هي الكواركات (التي سبق وقلنا أنها جسيمات أولية) لكنها تعتبر جسيمات دون ذرية باعتبارها ذات حجم أصغر من الذرة.
الآن وصلنا إلى المجموعة الثانية من عائلة الجسيمات المادية (الفيرمونات) بعد مجموعة الكواركات هي:

مجموعة “الليبتونات” (leptons):

هي جسيمات أولية خفيفة الكتلة لا تتكون من أي هيكلة أو جسيمات أصغر منها وتعتبر تابعة لعائلة الفيرمونات بأعتبار أن لها دورانًا مغزليًّا يساوي 1⁄2 (نصف صحيح) وتتميز هذه المجموعة بقصر عمر جسيماتها حيث تفنى بعد مدة ليست طويلى من نشوئها كما صُغر كتلتها، وغالبًا ما تكون منتشرة في صورة حرة وينتمي الإلكترون إليها، نشأت الليبتونات بعد 9 ثواني من الانفجار العظيم.
نملك في مجموعة الليبتونات 6 جسيمات تُصنف بحسب كتلتها وخاصية الشحنة حيث تنقسم إلى نوعين هما:-

الليبتونات المشحونة (أشباه الإلكترون):

1- الإلكترون (electron): جسيم أولي مستقر ذو شحنة سالبة يصنف في عائلة الفيرمونات – مجموعة الليبتونات ويعتبر مكونًا أساسيًّا للذرة، له نظير من المادة المضادة يسمى “بوزيترون “، وقد كسب الإلكترون شهرته وأهميته بسبب مسؤوليته عن التفاعلات الكيميائية، والكهرباء، والمغناطيسية، وتكوين الذرة، وكما أن باقي أنواع الليبتونات المشحونة تشبه الإلكترون في أغلب خواصها، لذلك تسمى ” أشباه الإلكترون “.
2- الميون: جسيم أولي شبيه بالالكترون مشحون بشحنة سالبة، ويكون غير مستقر ذو عمر قصير يساوي (2.20) مايكرو ثانية، تبلغ كتلته 200 ضعف كتلة الإلكترون، َيتكون غالبًا في الأشعة الكونية الصادرة من الأجرام السماوية، وأيضًا له نظير معاكس من المادة المضادة ” نظير الميون”.
3- جسيم تاو أو تاون: جسيم أولي شبيه بالإلكترون، ذو شحنة سالبة و لف مغزلي 1/2،له عمر متوسط قبل أن يتحلل ويتدمر وله نظير أيضا.

المجموعة الثانية هي الليبتونات الغير مشحونة (النيوترينو وأنواعه):

تممثل هذه المجموعة بالنيوترينوهات وانواعها وهي جسيمات أولية تمتاز بكتلة ضئيلة قد تكون صفرًا، وتمتلك لف مغزلي يساوي 1/2 كمثل جميع باقي الليبتونات، ولا تمتلك شحنة كهربائية، لذلك لا تتفاعل مع القوى المغناطيسية والنووية الشديدة، لكنها تتفاعل مع النووية الضعيفة، مما يجعلها تنتشر في الكون بصورة حرة بدون أن تدخل بتفاعلات، أو إمتصاص من أي مادة تواجهها في طريقها.
تنتج النيوترينوهات غالبًا من الاندماجات النووية داخل النجوم، والأشعة العالية، والانفجارات الكونية ذات الطاقة العالية، مثل السوبرنوفا والقنابل النووية وتنتشر بالكون بصورة عشوائية.
عندما ينشأ النيوترينو تكون له خاصية جوهرية تسمى ” تذبذب النيوترينو (neutrino oscillation) ” تجعل هذهِ الخاصية جسيم النيوترينو بحالة تغير وتحول من شكل إلى آخر، وتتم هذه العملية عن طريق تغيير الكتلة، والعدد الكمي، والاتجاه، والطاقة الذاتية الخاصات بالنيروترينو.
عندما تطرأ هذه التغيرات والتذبذبات على النيوترينو، سيتغير ويتحول ليكون على شكل من ثلاثة أشكال أو أنواع معينة، تشبه بالليبتونات المشحونة نظرًا لأن كلاهما ينتجان برفقة بعضهما في نفس الوقت مثلًا أن ينتج (ميون) من الليبتونات المشحونة مع (ميون نيوترينو) الغير مشحون أثناء عملية الاندماج النووي.
قسم العلماء أشكال النيوترينو بعد عملية التذبذب إلى ثلاثة أنواع هما 1- الكترون نيوترينو 2- ميون نيوترينو 3- تاو نيوترينو، كُل منها هو نوع أو فرد من مجموعة النيوترينوات وكل نيوترينو يقابله نيوترينو نظير معاكس من المادة المضادة ولا توجد اختلافات كثيرة بين الأنواع. من الحقائق الغريبة هو أنك الآن في وقت قراءتك لهذا المقال، يخترق جسمك مليارات النيوترينوات الصادرة من الشمس والإشعاعات، ويصدر جسمك الآن مئات النيوترونات بسبب امتلاكه نظير البوتاسيوم المشع، الذي يصدر 340 الف نيوترينو باليوم، ويبعدها خارج الجسم.
الآن بعدما أكملنا عائلة الفيرمونات وأنواعها، نأتي للتعرف على العائلة الثانية من الجسيمات الأولية هي عائلة البوزونات لكن لكي نفهم البوزونات علينا أولًا فهم القوى الأساسية في الكون لكونها مرتبطة بشكل أساسي مع البوزونات، كما إن بدون هذه القوى ما كنت أقدر على كتابة هذا المقال الآن ولا تستطيع أنت قراءته لأن الكون أساسًا سيكون غير موجود ! هل فكرت يومًا ما الذي يجعل نواة الذرة متماسكة حيث إن البروتون والنيوترون مرتبطان؟ ما الذي يجعل الإلكترونات تدور حول الذرة ؟ ما الذي يجعل الكواركات داخل الهادرونات مرتبطة ببعضها؟ ما سبب انجذابنا للأرض؟ كيف ترتبط الذرات لتكون الجزيئات وكيف تَتَحلل؟
الجواب على جميع هذه الأسئلة والكثير غيرها هو ” القوى الأربع الأساسية في الطبيعة”(Fundamental Force) القوى الأربع هذه هي التي تسيطر على كوننا وتنظمه وتكون محمولة بشكل أساسي من عائلة البوزونات كما تحدد قوانينه من أصغر أجسامه كالكوارك إلى المجرات والكون بأكمله، ولدينا أربع قوى رئيسية تحكم الكون هي:
1- القوى الكهرومغناطيسية: هي القوة المسؤولة عن الظواهر الكهربائية وعن ربط الإلكترونات بأنوية الذرات، كما تربط الذرات ببعضها لتكون الجزيئات، وتعمل أيضـًا على تجاذب الجسيمات ذات الشحنات المختلفة مثل شحنة سالبة وموجبة، وتنافر الجسيمات التي تحمل نفس نوع الشحنة مثل شحنة موجبة بموجبة وسالبة بسالبة.
2- النووية الشديدة: هي القوة التي تعمل على المستوى الذري، مسؤولة عن ارتباط الكواركات مع بعضها وارتباط البروتون والنيوترون داخل نواة الذرة، وتعتبر قوة مركزية أساسية للحفاظ على الذرة، كما لها دور في عملية الاندماج النووي داخل الشمس.
3- النووية الضعيفة: هي قوة تعمل في المستوى الذري، مسؤولة عن جميع أنواع النشاط الإشعاعي حولنا، فتتحكم باضمحلال الجسيمات وتلعب دورها الأساسي المُهم في الاندماجات النووية التي تصنع الطاقة داخل شمسنا وجميع النجوم عن طريق تحويل الذرات من عنصر إلى آخر بعملية الاندماج، لكي يطلق طاقة أثناء الاندماج مع الاستمرار بالعملية وتحويل العناصر عن طريق دمجها (كالهيدروجين عندما يتحول للهيليوم).
4- قوة الجاذبية: هي القوة التي تجعلك الآن متماسكًا مع الأرض، فتجذب كل شـيء إلى الأرض، وتنظم الكون عن طريق جعل الكواكب تدور حول النجم بمدارات محددة، ولها مسؤولية عن الكثير من الظواهر والقوانين في كوننا، فسرها نيوتن كقوة غامضة مجهولة، حتى أتى اينشتاين بنسبيته العامة ليعطينا تفسيرًا متكاملًا لها، لكن آينشتاين فسر لنا الجاذبية التي تجعل الكواكب تدور حول الشمس، ولم يجبنا عن الجاذبية الأرضية التي تجعلنا منجذبين إلى مركز الأرض! يبقى الموضوع لغزًا بانتظار أن يُكتشف يوماً.
لا يمكننا حتى تخـيل عدم وجود هذه القوى، لأن الكون حتميًا سيكون لا وجود له ولا أثر، فأنت الآن متماسكة ذراتك بفضل القوة الكهرومغناطيسية والنووية الشديدة ومُنجذب إلى الأرض أنت وكل شـيء بسبب قوة الجاذبية كما نعرف جميعاً أهمية الشمس، فبدونها لا وجود للحياة ولذلك فالنشكُر القوة النووية الضعيفة التي بدونها ما حصلنا على طاقة الشمس التي تُغذي الحياة على كوكبنا.
الآن بعدما تعرفنا على هذه القوى الجميلة علينا أن نتساءل، ما الذي يجعل هذه القوى تتفاعل وتتأثر فيما بينها بدون أي تلامس؟ هل هذه القوى مادية مرئية؟ فكيف للجاذبية أن تجعلنا ننجذب للأسفل ؟ وكيف للمغناطيسان أن ينجذبان إلى بعضهما رغم أن هناك مسافة تفرق بينهما ؟ فإذا كانت هناك قوة كهرومغناطيسية بين المغناطيسين تجعلهم ينجذبان إلى بعضهم، ما هو شكل هذه القوة وما هي حقًا؟ منطقيًا وحتميًا سنفكر بوجود جسيمات، أو أي ناقلات مادية ما مسؤولة عن حمل وتبادل وتناقل هذه القوى، وهنا يأتي دور أصدقائنا ” البوزونات ”
تُجيبنا الفيزياء عن أسئلتنا بوجود عائلة ثانية من الجسيمات الأولية هي عائلة الجسيمات الحاملة القوى “البوزونات” (bosons):
هي الجسيمات التي يساوي دورانها المغزلي صفرًا أو واحدًا الخاضعة (لإحصاء بوز – آينشتاين) وينتمي إلى هذه العائلة جسيمات تسمى ” ناقلات أو حوامل القوى ” التي تعمل مثل عمل الإلكترون عندما يحمل التيار الكهربائي حيث تعمل على حمل القوى الأساسية وجعلها تتأثر وتتبادل مع المادة في الكون. فالقوى الأربع الأساسية تنتشر في الكون عن طريق ما يسمى ” حقول ” أو ” مجالات ” مكونة من هذه الجسيمات التي تقسم إلى أنواع معينة، كل فرد منها مخصص لحمل إحدى القوة وهذه الجسيمات الناقلة هي:
ملاحظة: أرجو من القارئ أن يقارن بين الجسيم المذكور في الأسفل، مع القوى الخاصة به التي ذكرتها في الأعلى للفهم بصورة أفضل لأن الموضوعان مرتبطان جدًا
1-الفوتون: جسيم أولي مسؤول عن حمل ونشر القوة الكهرومغناطيسية، ويمتلك خاصية “ازدواجية موجة – جسيم”. عندما نسمع بـ”حقل كهرومغناطيسي أو موجة كهرومغناطيسية (كالضوء وأنواع الأشعة) فالمقصود هو موجة فوتونات حاملة للقوة الكهرومغناطيسية وعندما تأتي مغناطيسين وتقربهما على بعضهما، سوف يتجاذبان بسبب امتلاك كل منهما حقلًا من الفوتونات التي يتم تبادلها بين المغناطيسين.
2- الغلوون (Gluon): جسيم أولي مركزي يقع بين الكواركات حامل للقوة النووية الشديدة يوجد بين الكواركات داخل نواة الذرة، حيث يربط الكواركات ببعضها، مما يُشكل لنا البروتونات والنيروتونات والميزونات.
3- بوزونات دبليو وزد (WZ): هي جسيمات أولية حاملة للقوة النووية الضعيفة تنتشر في قطر الذرة وداخلها مع بعضهما، يعتبر بوزون W ذو شحنة موجبة أما بوزون Z محايد الشحنة، يتميز كلاهما عن باقي البوزونات بإمتلاكهم كتلة كبيرة وشحنة تعمل على تفكيك الجسيمات.
4- الجرافيتون (Graviton): على مر السنين حاول العلماء جاهدين أن يقدموا تفسيرًا يربط الجاذبية مع باقي القوى عن طريق إيجاد الجسيمات الحاملة لها لكي تنظم إلى نموذج الجسيمات الأولية وكانت جسيمات الجرافيتون هي من اُقترِحت لتكون ” الجسيمات الحاملة للجاذبية “، لكن إلى الآن لم يتم تقديم أي أدلة علمية تجريبية عن وجوده غير الفرضيات الغير مؤكدة.
5- بوزون هيغز: أحد أهم انواع البوزونات، لكنه غير حامل لقوى، لطالما تساءل العلماء عن سبب اختلاف الكتل بين الجسيمات الأولية، وعن سبب وجود الكتلة اساسًا، وكانت الأدلة والدراسات غالبًا ما تشير إلى وجود حقل طاقي في كل الكون يسمى ” حقل هيغز ”، تتفاعل معه الجسيمات الأولية فتكسب كتلتها من خلاله، بحسب قوة تفاعلها مع الحقل، بوزون هيغز هو الجسيم الذي يحمل حقل هيغز وينشره مثل بوزونات القوى وتم إكتشافه عام 2012 في مصادم الجسيمات الكبير.
يمكننا تخيل الجسيمات الأولية كشجرة كبيرة أوراقها تُمثل الجسيمات في الكون وتتقسم أوراقها عن طريق الأغصان إلى عائلتان رئيسيتان هما الفيرمونات والبوزونات ويتفرع غُصن الفيرمونات ليشمل كواركات وليبتونات.. .الجميل في فيزياء الجسيمات إنها غير نهائية دام الكون لا نهائيًّا، فإنها سوف تستمر بكشف جمال الكون بجسيماته وغموضه وإخبارنا بروعته دومًا، فبعد ما نجح الإنسان في وضع نموذج عن نظامنا الشمسي في العالم الكبير ونجاحه في وضع نموذج عن الذرة في العالم الصغير يحفر اليوم الإنسان أكثر في العالم الصغير لكي يرسم لنا نموذج جديد عن الجسيمات التي ُتشكل كوننا ولم ينتهي منه بعد، فهناك الكثير من الأسئلة تنتظر من يفك لغزها.