متى وأين نشأ وباء الإنفلونزا الإسبانية؟
نشأت معظم أوبئة الإنفلونزا في آسيا، انتشرت
منها إلى العالم. لكن فيروس الإنفلونزا الإسبانية -وبالخلاف للنمط السائد-
قد انتشر في ثلاث موجات منفصلة متقاربة في التوقيت خلال الاثني عشر شهرًا
التي انتشر فيها الوباء فيما بين العامين 1918 و 1919، إحداها في أوروبا
وأخرى في آسيا والثالثة في أمريكا الشمالية (تم وصف الموجة الأولى بشكل
واضح في الولايات المتحدة الأمريكية في مارس/آذار سنة 1918). ولا تستطيع
المعلومات التاريخية والوبائية المتاحة مساعدتنا في التأكد من الأصل
الجغرافي للفيروس، كما لم يستطع تحليل التطور الوراثي العرقي للفيروس
اعتمادًا على الخريطة الجينية له أن يضع الفيروس في أي سياق جغرافي.
لم يكن مرض الإنفلونزا على قائمة الإبلاغ في
الولايات المتحدة في عام 1918م على الرغم من أن معدلات الوفاة من
الإنفلونزا والالتهاب الرئوي قد ارتفعت بشكل حاد في عامي 1915 و 1916 بسبب
وباء تنفسي كبير بداية من ديسمبر/كانون الأول سنة 1915. انخفض معدل الوفيات
من الإنفلونزا والالتهاب الرئوي قليلًا عام 1917 ثم عاد للارتفاع بشكل حاد
بظهور وباء الإنفلونزا الإسبانية في ربيع عام 1918، مما يثير التساؤل عما
إذا كان الفيروس المسبب للوباء عام 1915 هو نسخة أقل عدوانية من الفيروس
الذي تسبب في وباء الإنفلونزا الإسبانية، نسخة لم تكن قادرة على إحداث وباء
عالمي بحجم الإنفلونزا الإسبانية. تشير بعض البيانات التي تم جمعها من بعض
المعسكرات الأوروبية في ذلك التوقيت إلى أن ذلك ممكن. في المقابل، يعتقد
العلماء أنه إن كان الفيروس الجديد حينها قد تسبب في التأثير على معدلات
الوفاة بسبب الإنفلونزا والالتهاب الرئوي في الولايات المتحدة الأمريكية
عامي 1915 و1916، لكان من المنطقي أن يتسبب في وباء عالمي في وقت يسبق
العام 1918، ولكان عدد كافٍ من الناس عندها قد تعرضوا للمرض سابقًا مما
يجعلهم أكثر قدرة على مقاومة المرض، وبين الافتراضيْن لا يمكننا القطع بأي
منهما صائب وأيهما خاطئ، مما يُبقي على أصل الفيروس كلغز لم تتم الإجابة
عنه.
هل تسبب فيروس واحد في الموجات الثلاث للإنفلونزا الإسبانية؟
لا يمكننا التأكد صراحة من إجابة هذا السؤال،
حيث أن الحل الوحيد للتأكد من ذلك هو الحصول على عينات إيجابية من حاملي
المرض في كل من الموجات الثلاث والمقارنة بينها، وهو ما يعتبر شبه مستحيل،
حيث أن العينات المتاحة التي تم إعادة بناء حمضها النووي ورسم خريطتها
الجينية تعود لمصابين من الموجة الثانية للمرض، حيث أنه من المستبعد أن
يكون الفيروس قد أتيحت له الفرصة ليتحول جينيًّا بالقدر الكافي مسببًا موجة
انتشار جديدة للمرض خلال الفترة التي انتشر فيها الوباء عالميًّا بين عامي
1918 و1919. وفي نفس الوقت، فإن مقارنة معدلات الوفاة بين الحالات المصابة
في كل من الموجات الثلاث يشير إلى وجود اختلاف في طبيعة المرض، حيث كانت
معدلات الوفاة في الموجة الأولى أقل من مثيلتها في الموجة الثانية والتي
كانت بدورها أقل من مثيلتها في الموجة الثالثة، مع احتفاظ الموجات الثلاث
بنفس النمط الإكلينيكي والأعراض المتشابهة.
لماذا تسمى بالإنفلونزا الإسبانية؟
على الرغم من أن أول انتشار لحالات الإصابة
بالفيروس المسبب لذلك الوباء قد تم اكتشافها في إحدى القواعد العسكرية في
الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من أن الموجة الثانية من موجات
الإصابة سجلت في البداية في فرنسا وبوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، فإن
حقيقة أن كلًّا من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية كانتا مشاركتين في
الحرب العالمية الأولى حالت دون انتشار الخبر عن المرض من خلالهما، حيث
فُرضت الرقابة على الصحف في محاولة لمنع انتشار أخبار المرض التي قد تؤثر
على معنويات الجنود، مما قد يؤدي إلى الهزيمة. بعد حوالي ثلاثة أشهر، انتقل
المرض من فرنسا إلى إسبانيا، التي لم تكن مشاركة في الحرب، ومن ثم تناولت
الصحف الإسبانية أخبار انتشار الوباء بحرية، وكانت هي المصدر الرئيسي الذي
استقى منه سكان العالم الأخبار الأولية عن وباء جديد يهاجم البشرية؛ من هنا
كانت التسمية.
إرسال تعليق